فصل: تفسير الآية رقم (68):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني المشهور بـ «تفسير الألوسي»



.تفسير الآية رقم (68):

{قُلْنَا لَا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلَى (68)}
{قُلْنَا لاَ تَخَفْ} أي لا تستمر على خوفك مما توهمت وادفع عن نفسك ما اعتراك فالنهي على حقيقته، وقيل: حرج عن ذلك للتشجيع وتقوية القلب {إِنَّكَ أَنتَ الاعلى} تعليل لما يوجبه النهي من الانتهاء عن الخوف وتقرير لغلبته على أبلغ وجه وآكده كما يعرب عن ذلك الاستئناف البياني وحرف التحقيق وتكرير الضمير وتعريف الخبر ولفظ العلو المنبئ عن الغلبة الظاهرة وصيغة التفضيل كما قاله غير واحد. والذي أميل إليه أن الصيغة المذكورة لمجرد الزيادة فإن كونها للمشاركة والزيادة يقتضي أن يكون للسحرة علو وغلبة ظاهرة أيضًا مع أنه ليس كذلك وإثبات ذلك لهم بالنسبة إلى العامة كما قيل ليس بشيء إذ لا مغالبة بينهم وبينهم.

.تفسير الآية رقم (69):

{وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى (69)}
{وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ} أي عصاك كما وقع في سورة الأعراف.
وكأن التعبير عنها بذلك لتذكيره ما وقع وشاهده عليه السلام منها يوم قال سبحانه له: {وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ ياموسى} [طه: 17]، وقال بعض المحققين: إنما أوثر الإبهام تهويلًا لأمرها وتفخيمًا لشأنها وإيذانًا بأنها ليست من جنس العصي المعهودة المستتبعة للآثار المعتادة بل خارجة عن حدود سائر أفراد الجنس مبهمة لكنها مستتبعة لآثار غريبة. وعدم مراعاة هذه النكتة عند حكاية الأمر في مواضع أخر لا يستدعي عدم مراعاتها عند وقوع المحكي انتهى. وحاصله أن الإبهام للتفخيم كأن العصا لفخامة شأنها لا يحيط بها نطاق العلم نحو {فَغَشِيَهُمْ مّنَ اليم مَا غَشِيَهُمْ} [طه: 78] ووقع حكاية الأمر في مواضع أخر بالمعنى والواقع نفسه ما تضمن هذه النكتة وإن لم يكن بلفظ عربي وإنما لم يعتبر العكس لأن المتضمن أوفق قام النهي عن الخوف وتشجيعه عليه السلام.
وقال أبو حيان: عبر بذلك دون عصاك لما في اليمين من معنى اليمن والبركة، وفيه أن الخطاب لم يكن بلفظ عربي، وقيل: الإبهام للتحقير بأن يراد لا تبالي بكثرة حبالهم وعصيهم وألق العويد الذي في يدك فإنه بقدرة الله تعالى يلقفها مع وحدته وكثرتها وصغره وعظمها. وتعقب بأنه يأباه ظهور حالها فيما مر مرتين على أن ذلك المعنى إنما يليق بما لو فعلت العصا ما فعلت وهي على الهيئة الأصلية وقد كان منها ما كان، وما يحتمل أن أن تكون موصوفة ويحتمل أن تكون موصولة على كل من الوجهين، وقيل: الأنسب على الأول الأول وعلى الثاني الثاني، وقوله تعالى: {تَلْقَفْ مَا صَنَعُواْ} بالجزم جواب الأمر من لقفه ناله بالحذق باليد أو بالفم، والمراد هنا الثاني والتأنيث بكون ما عبارة عن العصا أي تبتلع ما صنعوه من الحبال والعصي التي خيل إليك سعيها، والتعبير عنها بما صنعوا للتحقير والإيذان بالتمويه والتزوير. وقرأ الأكثرون {تَلْقَفْ} بفتح اللام وتشديد القاف وإسقاط إحدى التاءين من {تتلقف}.
وقرأ ابن عامر كذلك إلا أنه رفع الفعل على أن الجملة مستأنفة استئنافًا بيانيًا أو حال مقدرة من فاعل ألق بناءً على تسببه أو من مفعوله أي متلقفًا أو متلقفة؛ وجملة الأمر معطوفة على النهي متممة بما في حيزها لتعليل موجبه ببيان كيفية علوه وغلبه عليه السلام فإن ابتلاع عصاه عليه السلام لأباطيلهم التي منها أوجس في نفسه خيفة يقلع مادة الخوف بالكلية. وزعم بعضهم إن هذا صريح في أن خوفه عليه السلام لم يكن من مخالجة الشك للناس في معجزة العصا وإلا لعلل بما يزيله من الوعد بما يوجب إيمانهم وفيه تأمل.
وقوله تعالى: {صَنَعُواْ إِنَّمَا صَنَعُواْ} إلخ تعليل لقوله تعالى: {تَلْقَفْ مَا صَنَعُواْ} وما إما موصولة أو موصوفة أو مصدرية أي إن الذي صنعوه أو إن شيئًا صنعوه أو إن صنعهم {كَيْدُ سَاحِرٍ} بالرفع على أنه خبر إن أي كيد جنس الساحر، وتنكيره للتوسل به إلى ما يقتضيه المقام من تنكير المضاف ولو عرف لكان المضاف إليه معرفة وليس مرادًا.
واعترض بأنه يجوز أن يكون تعريفه الإضافي حينئذٍ للجنس وهو كالنكرة معنى وإنما الفرق بينهما حضوره في الذهن. وأجيب بأنه لا حاجة إلى تعيين جنسه فإنه مما علم من قوله تعالى: {يُخَيَّلُ} [طه: 66] إلخ وإنما الغرض بعد تعيينه أن يذكر أنه أمر مموه لا حقيقة له وهذا مما يعرف بالذوق، وقيل: نكر ليتوسل به إلى تحقير المضاف. وتعقب بأنه بعد تسليم إفادة ذلك تحقير المضاف لا يناسب المقام ولأنه يفيد انقسام السحر إلى حقير وعظيم وليس قصود. وأيضًا ينافي ذلك قوله تعالى في آية أخرى: {وَجَاءو بِسِحْرٍ عَظِيمٍ} [الأعراف: 116] إلا أن يقال عظمه من وجه لا ينافي حقارته في نفسه وهو المراد من تحقيره. وقيل: إنما نكر لئلا يذهب الذهن إلى أن المراد ساحر معروف فتدبر.
وقرأ مجاهد. وحميد. وزيد بن علي عليهم الرحمة {كَيْدَ} بالنصب على أنه مفعول {صَنَعُواْ} وما كافة.
وقرأ حمزة. والكسائي. وأبو بحرية. والأعمش. وطلحة. وابن أبي ليلى. وخلف في اختياره. وابن عيسى الأصبهاني. وابن جبير الأنطاكي. وابن جرير {ساحر} بكسر السين وإسكان الحاء على معنى ذي سحر أو على تسمية الساحر سحرًا مبالغة كأنه لتوغله في السحر صار نفس السحر. وقيل: على أن الإضافة لبيان أن الكيد من جنس السحر. وهذه الإضافة من إضافة العام إلى الخاص. وهي على معنى اللام عند شارح الهادي وعلى معنى من على ما يفهم من ظاهر كلام الشريف في أول شرح المفتاح وتسمى إضافة بيانية. ويحمل فيما وجدت فيه المضاف إليه على المضاف. ولا يشترط أن يكون بين المتضايفين عموم وخصوص من وجه وبعضهم شرط ذلك.
وقوله تعالى شأنه: {وَلاَ يُفْلِحُ الساحر} أي هذا الجنس {حَيْثُ أتى} حيث كان وأين أقبل فحيث ظرف مكان أريد به التعميم من تمام التعليل. ولم يتعرض لشأن العصا وكونه معجزة إلهية مع ما في ذلك من تقوية التعليل للإيذان بظهور أمرها. وأخرج ابن أبي حاتم. وابن مردويه عن جندب بن عبد الله البجلي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا أخذتم الساحر فاقتلوه ثم قرأ: {وَلاَ يُفْلِحُ الساحر حَيْثُ أتى} قال: لا يؤمن حيث وجد» وقرأت فرقة {أَيْنَ أتى} والفاء في قوله تعالى:

.تفسير الآية رقم (70):

{فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّدًا قَالُوا آَمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى (70)}
{فَأُلْقِىَ السحرة سُجَّدًا} فضيحة معربة عن جمل غنية عن التصريح أي فزال الخوف وألقى ما في يمينه وصارت حية وتلقفت حبالهم وعصيهم وعلموا أن ذلك معجز فألقى السحرة على وجوههم سجدًا لله تعالى تائبين مؤمنين به عز وجل وبرسالة موسى عليه السلام.
روي أن رئيسهم قال: كنا نغلب الناس وكانت الآلات تبقى علينا فلو كان هذا سحرًا فأين ما ألقينا فاستدل بتغير أحوال الأجسام على الصانع القدير العليم وبظهور ذلك على يد موسى عليه السلام على صحة رسالته. وكأن هاتيك الحبال والعصي صارت هباءً منبثًا وانعدامها بالكلية ممكن عندنا، وفي التعبير بألقى دون فسجد إشارة إلى أنهم شاهدوا ما أزعجهم فلم يتمالكوا حتى وقعوا على وجوههم ساجدين، وفيه إيقاظ السامع لإلطاف الله تعالى في نقله من شاء من عباده من غاية الكفر والعناد إلى نهاية الإيمان والسداد مع ما فيه من المشاكلة والتناسب، والمراد أنهم أسرعوا إلى السجود، قيل: إنهم لم يرفعوا رؤوسهم من السجود حتى رأوا الجنة والنار والثواب والعقاب.
وأخرج عبد بن حميد. وابن المنذر. وابن أبي حاتم عن عكرمة أنهم لما خروا سجدًا أراهم الله تعالى في سجودهم منازلهم في الجنة. واستبعد ذلك القاضي بأنه كالإلجاء إلى الإيمان وأنه ينافي التكليف. وأجيب بأنه حيث كان الإيمان مقدمًا على هذا الكشف فلا منافاة ولا الجاء، وفي إرشاد العقل السليم أنه لا ينافيه قولهم: {إِنَّا امَنَّا بِرَبّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خطايانا} [طه: 73] إلخ لأن كون تلك المنازل منازلهم باعتبار صدور هذا القول عنهم.
{قَالُواْ} استئناف كما مر غير مرة {ءامَنَّا بِرَبّ هارون وموسى} تأخير موسى عليه السلام عند حكاية كلامهم المذكورة في سورة الأعراف المقدم فيه موسى عليه السلام لأنه أشرف من هارون والدعوة والرسالة إنما هي له أولًا وبالذات وظهور المعجزة على يده عليه السلام لرعاية الفواصل، وجوز أن يكون كلامهم بهذا الترتيب وقدموا هارون عليه السلام لأنه أكبر سنًا، وقول السيد في شرح المفتاح: إن موسى أكبر من هارون عليهما السلام سهو. وأما للمبالغة في الاحتراز عن التوهم الباطل من جهة فرعون وقومه حيث كان فرعون ربى موسى عليه السلام فلو قدموا موسى لرا توهم اللعين وقومه من أول الأمر أن مرادهم فرعون وتقديمه في سورة الأعراف تقديم في الحكاية لتلك النكتة.
وجوز أبو حيان أن يكون ما هنا قول طائفة منهم وما هناك قول أخرى وراعى كل نكتة فيما فعل لكنه لما اشترك القول في المعنى صح نسبة كل منهما إلى الجميع. واختيار هذا القول هنا لأنه أوفق بآيات هذه السورة.

.تفسير الآية رقم (71):

{قَالَ آَمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آَذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَى (71)}
{قَالَ} أي فرعون للسحرة {ءامَنتُمْ لَهُ} أي لموسى كما هو الظاهر. والإيمان في الأصل متعد بنفسه ثم شاع تعديه بالباء لما فيه من التصديق حتى صار حقيقة. وإنما عدى هنا باللام لتضمينه معنى الانقياد وهو يعدي بها يقال. انقاد له لا الاتباع كما قيل: لأنه متعد بنفسه يقال: اتبعه ولا يقال: اتبع له، وفي البحر إن آمن يوصل بالباء إذا كان متعلقه الله عز اسمه وباللام إن كان متعلقه غيره تعالى في الأكثر نحو {يُؤْمِنُ بالله وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ} [التوبة: 61]. {فما آمن لموسى} [يونس: 83] إلخ. {لَن نُّؤْمِنَ لَكَ} [البقرة: 55] {وَمَا أَنتَ ؤْمِنٍ لَّنَا} [يوسف: 17] {فَئَامَنَ لَهُ لُوطٌ} [العنكبوت: 26]، وجوز أن تكون اللام تعليلية والتقدير آمنتم بالله تعالى لأجل موسى وما شاهدتم منه، واختاره بعضهم ولا تفكيك فيه كما توهم، وقيل: يحتمل أن يكون ضمير {لَهُ} للرب عز وجل، وفي الآية حينئذٍ تفكيك ظاهر.
وقرأ الأكثر {أَءمِنتُمْ} على الاستفهام التوبيخي. والتوبيخ هو المراد من الجملة على القراءة الأولى أيضًا لا فائدة الخبر أو لازمها {قَبْلَ أَنْ ءاذَنَ لَكُمْ} أي من غير إذني لكم في الإيمان كما في قوله تعالى: {لَنَفِدَ البحر قَبْلَ أَن تَنفَدَ كلمات رَبّى} [الكهف: 109] لا أن إذنه لهم في ذلك واقع بعد أو متوقع، وفرق الطبرسي بين الإذن والأمر بأن الأمر يدل على إرادة الآمر الفعل المأمور به وليس في الإذن ذلك {أَنَّهُ} يعني موسى عليه السلام {لَكَبِيرُكُمُ} لعظيمكم في فنكم وأعلمكم به وأستاذكم {الذى عَلَّمَكُمُ السحر} كأن اللعين وبخهم أولًا على إيمانهم له عليه السلام من غير إذنه لهم ليرى قومه أن إيمانهم غير معتد به حيث كان بغير إذنه. ثم استشعر أن يقولوا: أي حاجة إلى الإذن بعد أن صنعنا ما صنعنا وصدر منه عليه السلام ما صدر فأجاب عن ذلك بقوله: {أَنَّهُ} إلخ أي ذلك غير معتد به أيضًا لأنه أستاذكم في السحر فتواطأتم معه على ما وقع أو علمكم شيئًا دون شيء فلذلك غلبكم فالجملة تعليل لمحذوف، وقيل: هي تعليل للمذكور قبل. وبالجملة قال ذلك لما اعتراه من الخوف من اقتداء الناس بالسحرة في الإيمان لموسى عليه السلام ثم أقبل عليهم بالوعيد المؤكد حيث قال: {فَلاقَطّعَنَّ} أي إذا كان الأمر كذلك فاقسم لأقطعن {أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مّنْ خِلاَفٍ} أي اليد اليمنى والرجل اليسرى وعليه عامة المفسرين وهو تخصيص من خارج وإلا فيحتمل أن يراد غير ذلك. و{مِنْ} ابتدائية.
وقال الطبرسي: عنى عن أو على وليس بشيء. والمراد من الخلاف الجانب المخالف أو الجهة المخالفة. والجار والمجرور حسا يظهر متعلق باقطعن، وقيل: متعلق حذوف وقع صفة مصدر محذوف أي تقطيعه مبتدأ من جانب مخالف أو من جهة مخالفة وابتداء التقطيع من ذلك ظاهر، ويجوز أن يبقى الخلاف على حقيقته أعني المخالفة وجعله مبتدأ على التجوز فإنه عارض ما هو مبدأ حقيقة، وجعل بعضهم الجار والمجرور في حيز النصب على الحالية، والمراد لأقطعنها مختلفات فتأمل، وتعيين هذه الكيفية قيل للإيذان بتحقيق الأمر وإيقاعه لا محالة بتعيين كيفيته المعهودة في باب السياسة.
ولعل اختيارها فيها دون القطع من وفاق لأن فيه إهلاكًا وتفويتًا للمنفعة، وزعم بعضهم أنها أفظع {وَلاصَلّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النخل} أي عليها. وإيثار كلمة في للدلالة على إبقائهم عليها زمانًا مديدًا تشبيهًا لاستمرارهم عليها باستقرار الظرف في المظروف المشتمل عليه. وعلى ذلك قوله:
وهم صلبوا العبدي في جذع نخلة ** فلا عطست شيبان إلا باجدعا

وفيه استعارة تبعية. والكلام في ذلك شهير. وقيل: لا استعارة أصلًا لأن فرعون نقر جذوع النخل وصلبهم في داخلها ليموتوا جوعًا وعطشًا ولا يكاد يصح بل في أصل الصلب كلام. فقال بعضهم: إنه أنفذ فيهم وعيده وصلبهم وهو أول من صلب. ولا ينافيه قوله تعالى: {أَنتُمَا وَمَنِ اتبعكما الغالبون} [القصص: 35] لأن المراد الغلبة بالحجة. وقال الإمام: لم يثبت ذلك في الأخبار. وأنت تعلم أن الظاهر السلامة. وصيغة التفعيل في الفعلين للتكثير. وقرئ بالتخفيف فيهما.
{وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وأبقى} يريد من بمن نفسه وموسى عليه السلام بقرينة تقدم ذكره في قوله تعالى: {ءامَنتُمْ لَهُ} بناءً على الظاهر فيه. واختار ذلك الطبري. وجماعة. وهذا إما لقصد توضيع موسى عليه السلام والهزء به لأنه عليه السلام لم يكن من التعذيب في شيء، وإما لأن إيمانهم لم يكن بزعمه عن مشاهدة المعجزة ومعاينة البرهان بل كان عن خوف من قبله عليه السلام حيث رأوا ابتلاع عصاه لحبالهم وعصيهم فخافوا على أنفسهم أيضًا، واختار أبو حيان أن المراد من الغير الذي أشار إليه الضمير رب موسى عز وجل الذي آمنوا به بقولهم: {امَنَّا بِرَبّ هارون موسى} [طه: 70]. {وَلَتَعْلَمُنَّ} هنا معلق و{فِرْعَوْنَ أَشَدَّ} جملة استفهامية من مبتدأ وخبر في موضع نصب سادة مسد مفعوليه إن كان العلم على بابه أو في موضع مفعول واحد له إن كان عنى المعرفة. ويجوز على هذا الوجه أن يكون {أَيُّنَا} مفعولًا وهو مبني على رأي سيبويه و{أَشَدَّ} خبر مبتدأ محذوف أي هو أشد. والجملة صلة أي والعائد الصدر، و{عَذَابًا} تمييز. وقد استغنى بذكره مع {أَشَدَّ} عن ذكره مع {أبقى} وهو مراد أيضًا. واشتقاق أبقى من البقاء عنى الدوام. وقيل: لا يبعد والله تعالى أعلم أن يكون من البقاء عنى العطاء فإن اللعين كان يعطي لمن يرضاه العطايا فيكون للآية شبه بقول نمروذ {أَنَا أُحْىِ وَأُمِيتُ} [البقرة: 258] وهو في غاية البعد عند من له ذوق سليم. ثم لا يخفى أن اللعين في غاية الوقاحة ونهاية الجلادة حيث أوعد وهدد وأبرق وأرعد مع قرب عهده بما شاهد من انقلاب العصا حية وما لها من الآثار الهائلة حتى أنها قصدت ابتلاع قبته فاستغاث وسى عليه السلام ولا يبعد نحو ذلك من فاجر طاغ مثله.